تُعدُّ شجرة أركان واحدة من أندر الأشجار في العالم، وتنفرد بها المملكة المغربية، حيث تنتشر بكثافة في مناطق الجنوب، خاصة في إقليم أدرار، الذي يُعد من بين المناطق المحظوظة بهذا الإرث الطبيعي. هذه الشجرة، التي تتحدى الجفاف والصخور، تُعد رمزًا للصبر والتحمل، ليس فقط في صلابتها، بل في الجهد الكبير الذي يتطلبه جني ثمارها وتحويلها إلى زيت يُعد من أغلى الزيوت في العالم.
ومع حلول فصل الصيف، ينطلق موسم جني ثمار الأركان، المعروفة محليًا باسم “إفيش”، وهي عملية شاقة تتوارثها النساء القرويات جيلًا بعد جيل.
في هذا الإطار، رافقت جريدة LE37 السيدة تابا صفية، وهي امرأة من قلب جبال أدرار، لتسليط الضوء على يومها الطويل والمليء بالتحديات.
تبدأ السيدة تابا صفية عملها في ساعات الفجر الأولى، مستغلة برودة الجو قبل أن تشتد حرارة الشمس، لتتجنب خطر الزواحف السامة ولسعات العقارب المنتشرة في المنطقة. تصعد الجبال وتجمع الثمار واحدة تلو الأخرى من تحت ظلال شجر الأركان، بكل عناية وصبر.
ومع بداية طلوع الشمس، تعود إلى منزلها لتناول فطور بسيط، وتباشر بعده أشغالها المنزلية. وبعد أداء صلاة الظهر، تبدأ مرحلة تنقية وفرز حبات الأركان أو ما يُعرف محليًا بـ”ألوماس”، وهي عملية يدوية دقيقة تستغرق ساعات طويلة من العمل المركز.
في ما بعد، تجمع النوى أو “تزنين”، وتنقلها إلى المطبخ المعروف بـ”أنوال”، حيث تقوم بتحميصها على نار هادئة، حتى تكتسب لونًا ذهبيًا وتكون جاهزة للطحن.
تستخدم تابا صفية أداة تقليدية تسمى “أزرك” لطحن النوى، في عملية تستمر نحو ساعة. ثم تأتي المرحلة الأهم: “إزمي”، أي فرز الزيت من المعجون المطحون. هذه المرحلة تتطلب مهارة دقيقة وخبرة متوارثة، حيث أن أي خطأ قد يُفسد جودة الزيت.
وهكذا، وبعد يوم طويل من الجهد والعمل اليدوي الشاق، تخرج بضع قطرات من زيت الأركان الخالص، أحد أثمن الزيوت الطبيعية عالميًا، والمعروف بفوائده الصحية والتجميلية.
- تابا صفية ليست مجرد امرأة قروية، بل حارسة لتراث أصيل، وسفيرة للصبر والعمل المتقن، تمثل نموذجًا يُحتذى به في الحفاظ على هذا المورد الطبيعي الثمين، الذي يستحق الاعتراف والدعم.